ما هي العقيدة؟ | حازم صلاح أبوإسماعيل 🔴
ماهي العقيدة؟
عندما يقول العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم ظل 13 عامًا في مكة قبل الهجرة يربي المسلمين على العقيدة .. فما معنى هذا؟
بالتأكيد ليس معناه أنه كان يُـحفظهم أدلة وجود الله، أو يصنع لهم دورة فكرية في قراءة كتاب عقدي أو رد الشبهات، أو يتأكد من قدرتهم على حفظ المعلومات الخاصة بالاعتقاد الإسلامي الجديد مقارنةً مع غيرها من العقائد الباطلة!
وبالطبع لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يربي المؤمنين الأوائل على العقيدة يُشغلهم بالاختلافات اللغوية والكلامية والاجتهادية كما يفعل اليوم كثيرٌ ممن يزعمون أن دعوتهم تتمحور حول العقيدة وحول الدفاع عنها.
🔴 بل كان فعل النبي صلى الله عليه وسلم هو زرع عقيدة الإسلام في قلب المسلمين بحيث:
- يرتبطون برب العالمين حتى يستسلمون له، ويعايشون أسماءه وصفاته في ثنايا يومهم وفي تفاصيل حياتهم. فلا يخافون غيره، ولا يتوجهون لغيره، ولا يُخلصون لغيره، ولا يطلبون من غيره، ولا ينحازون لغيره، ولا يصرفون أي نوعً من العبادات لغيره.
- ويرتبطون بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى يوقن أحدهم أنه لو دفع نفسه وماله دفاعًا عن رسول الله ورسالته لما كان هذا كثيرًا، وحتى يتحرون قليل فعله وكثيره ليطابقوه على أنفسهم، وليتأسوا به في بيوتهم وفي مجتمعهم.
- ويرتبطون بالآخرة حتى تملأ وجدانهم وتصيغ أحلامهم وتوجه أهدافهم وتحركاتهم في الدنيا، فيكبر في عيونهم ما كبّره الله، وتصغر في عيونهم من شأن الحياة ما صغّـره الله.
- ويرتبطون بإخوانهم في الدين فيُشكلون أمةً من العدم، ويجمعون فردًا وراء فرد، ومجوعة وراء مجمعة، حتى يصنعوا شعبًا جديدًا مؤمنًا بالعقيدة ومدافعًا عنها، ويتحولون من حال الضعف لحال القوة في سنين قليلة، لان هذا هو مقتضى العقيدة، ولأن هذه عقيدة وجدت لكي تتحقق في الواقع وليس لتبقى في عالم الأفكار.
- ويرتبطون بالعبادة فتهجر عيونهم المنام بالليل لأن القيام بين يدي الله صار أحب إليهم، وتجود نفوسهم بالكرم والسماحة على خلق الله، فتزكوا أخلاقهم بعد رداءة، وتصفو نياتهم وتحسن سرائرهم. لأنهم صاروا لايرجون إلا وجه الله الكريم.
- ويرتبطون بالقرآن فيفقهون منه مايهتدون به في حياتهم كلها، ويُنيرون به واقعهم وواقع مجتمعاتهم، ويقيمون حروفه وحدوده معًا، ويُعرفون الحق والباطل بناء على المعايير التي يقولها لهم، فلا يتجاوزوه. وإن اعتدا على حقائق القرآن أحد، أو أراد ان يرفع فوق مبدأه أي مبدأ، أو يُعلي فوق قانونه أي قانون، فكانوا لا يتركونه. حتى كان العُرف أن حملة القرآن وحفظته هم الصف الأول في الانحياز للحق وأول المجاهدين في سبيله.
هذا هو معنى قول رواة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يربي المؤمنين على العقيدة.
فإذا علمت ذلك فانظر إلى الحروب الأهلية التي يثيرها متطرفوا الانتساب للسلف أو خصومهم ممن ينحازون إلى بعض آراء علماء المسلمين باسم الدفاع عن "العقيدة"، ممن يرون شنّ الحروب على خصومهم ( الذين ينحازون إلى اجتهادات اخرى من اجتهادات علماء المسلمين المعتبرة) ، يرون شنَ الحروب عليهم وضعٌ طبيعي من أجل الدفاع عن "العقيدة"!
- وضعٌ طبيعي حتى وإن كان الثمن هو مقام العقيدة نفسه في قلوب عامة الناس.
- وضعٌ طبيعي حتى وإن كانت ثمار الإيمان لا تزهر في قلوبهم، ولا تظهر في كلامهم، وتزداد كل يومٍ أفولًا في متابعيهم.
- وضعٌ طبيعي حتى وإن أدت حروبهم إلى إفساد العلاقة بين المسلمين، ومنع تكتلهم على الإسلام فيما أجمعوا عليه (وأكثر المسلمين مجمعين في اعتقادهم على كل أصول الدين بالفطرة أو بالعلم).
- وضعٌ طبيعي وإن أدت معاركهم لجعل بأس المسلمين على بعضهم، وفتت قوتهم وتسببت في ظهور أعداء المسلمين المستهدفين لأصل الدين كله عليهم. ففساد ذات البين "يحلق" الدين كما في الحديث الشريف، أي يمحيه تمامًا من الوجود!
انظر إلى مفهوم "العقيدة" التي كان يُربي عليها رسول الله صلى الله، وإلى آثارها في حياة المسلمين .. واسأل نفسك هل في فِعل المشعلين للحروب الأهلية بين أئمة الإسلام شيء من الفقه أو هل توافق معاركهم تلك اتباعاً للسنة النبوية الشريفة ؟
** ملاحظة: نرجوا أن لايفهم أحد من كلامنا التقليل من أي جهد تعليمي أو علمي، أو التقليل من أهمية تحري الحق الذي يرضي الله سبحانه وتعالى في مسائل الخلاف (ما توفرت الأهلية لذلك).